هل تم استبعاد تيار المستقبل عن الحكومة قبل ايام من ذكرى 14 شباط؟!
سعر الصرف مستقرّ... لكن هشّ
كانت ولاية وزير المال السابق غازي وزني مزدحمة بالاستحقاقات. الحكومة التي كان يرأسها حسان دياب، كان عليها اتخاذ قرار التوقف عن الدفع وإعداد خطّة لإعادة هيكلة الدين العام والتعامل مع توزيع خسائر القطاع المالي... لكنّ نفوذ المصارف وغياب القرار أجهضا الخطّة التي وافق عليها صندوق النقد الدولي. الآن، تتزاحم الأولويات والاستحقاقات أمام حكومة نواف سلام، إذ عليها التعامل مع استحقاقات سياسية مرتبطة بالقرار 1701 ومع إعادة الإعمار، ثم عليها أن تتعامل مع استحقاقات داخلية مثل التعيينات وموازنة 2025، وعليها أن تتعامل أيضاً مع الإفلاس وأزمة المودعين والمصارف... في السابق كان صندوق النقد يرفض تحميل الدولة أيّ خسائر وكان يرفض تقسيط الخسائر في القطاع المصرفي، أما الآن فهو بات مرناً في ما يتعلق بهذا الأمر كما أن حجم الخسائر صار أقلّ. للمصارف نفوذ قوي جداً جداً، على حد تعبير وزني. يقول إن الحاكم السابق رياض سلامة كان يريد علاج السرطان بالوقت، وليس بخطّة. هذا النفوذ إلى جانب غياب القرار السياسي، أدّيا إلى تعطيل خطّة التعافي
■ برأيك ما العناوين الأساسية في الاقتصاد السياسي والاجتماعي التي يجب أن توضع على الطاولة بعد نهاية الفراغ المؤسساتي في لبنان في رئاسة الجمهورية والحكومة، علماً أن الحديات لم تعد تقتصر على الإفلاس المالي والانهيار النقدي بعد العدوان الصهيوني على لبنان؟
لا يمكن فصل الوضع السياسي الداخلي والإقليمي عن الورشة المطلوبة للمعالجة الاقتصادية. التغييرات التي حصلت في المنطقة توصف بالكبرى وبالمصيرية، وتلقائياً هناك تبعات على لبنان. هذا الترابط السياسي - الأمني - الاقتصادي، أدخل الحكومة الجديدة في مرحلة تأسيسية يمكن القول معها إن هناك تحدّ الأولويات التقليدية مثل أزمة المصارف والودائعِ والمالية العامة، إلى جانب أولويات مستجدّة مثل الانسحاب الإسرائيلي، وتنفيذ القرار 1701، وهذا سينعكس بشكل كبير على الدعم المتوقّع من الدول العربية.
وهناك أيضاً ملف إعادة الإعمار؛ إثر عدوان تموز 2006، كانت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة تبلغ 5.3 مليارات دولار منها 2.4 مليار أضرار مباشرة وتعرّضت 127 ألف وحدة سكنية للضرر أو التدمير، وفي حينه كان الوضع المصرفي أفضل وكانت للمواطنين قدرة على الوصول إلى أموالهم في المصارف، وأيضاً العلاقات العربية - اللبنانية، والدولية - اللبنانية كانت أفضل. أما اليوم، فالأضرار المباشرة وغير المباشرة، بتقديري الشخصي، تفوق 12 مليار دولار منها 4 مليارات دولار أضرار مباشرة وتعرّضت أكثر من 250 ألف وحدة سكنية للضرر أو التدمير. لذا، تحدّي إعادة الإعمار كبير جداً ويرتبط بالأمور السياسية الداخلية والإقليمية.
بعد ذلك، تأتي التعيينات، والورشة السياسية، ثم التحدّيات التقليدية التي تتلخّص بإعادة العلاقات مع صندوق النقد الدولي، ومشكلة المودعين والقطاع المصرفي، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عمر الحكومة لن يتجاوز 15 شهراً، وستجري فيها الانتخابات البلدية والنيابية. أتمنى أن تكون الحكومة قادرة على التعامل مع هذا الوضع.
■ هل يمكن تحديد استحقاقات أكثر وضوحاً بعيداً من السياسة؟
يتمثّل الاستحقاق الأول في موازنة عام 2025. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قدّمتها ضمن المهل الدستورية، إلا أنه كان أولى بها سحبها لسببين؛ لأنّها لم تعد تتناسب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المستجدّ بعد الحرب. كما أنه بعد انتخاب رئيس جمهورية لم يعد ممكناً الاعتماد على المادة 85 من الدستور لإصدارها بمرسوم بعيداً عن موافقة الرئيس. لذا على الحكومة الجديدة أن تتقدّم بموازنة تتناسب مع الواقع الجديد.
ثاني استحقاق، هو سندات اليوروبوند، إذ إنه بعد مضي 5 سنوات على التخلف عن السداد، ورغم صدور قرار تمديد المهل من مجلس الوزراء حتى لا يرفع الدائنون دعاوى على لبنان في الخارج، إلا أنّ عقود اليوروبوند تتضمن ما يفيد بأن القرار غير كافٍ لمنع حملة السندات من رفع الدعاوى. صحيح أن القرار أظهر النوايا الحسنة، لكنّ المسألة الأساسية أن رفع الدعاوى يهدف إلى تحسين شروط التفاوض حول الدفع.
لم يرفع الدائنون دعاوى في السنوات الماضية، لأنه في حكومة الرئيس حسان دياب، وقبل اتخاذ قرار التخلف عن الدفع، تواصلت مع المستشارين القانونيين «وايت أند كايس» و«كليري غوثلييب» الذين قدّموا دراسة تشير إلى أن أصول الدولة الخارجية محصّنة وبالتالي يصعب الضغط على الدولة من خلال الحجز على أصولها الخارجية. أما الآن فقد أصبحت جدوى رفع الدعوى أكبر من السابق. ففي حال إعادة الهيكلة، مع الحكومة الجديدة، تصبح لرافعي الدعاوى أولوية على بقية حاملي السندات.
■ في أيام حكومة الرئيس حسان دياب باشرتم التفاوض مع صندوق النقد الدولي وأُجهض المشروع، ثم في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تكرّرت التجربة التي أسفرت عن توقيع اتفاق على مستوى الموظفين لم يُنفذ، فهل تعتقد بأنه يمكن التوصّل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق الآن؟
في السابق واجهنا مشكلة عدم وجود قرار، إذ لم يكن أحد يرغب في تحمّل المسؤولية أمام المودعين. عندما أنجزنا خطّة التعافي، قال ممثلو الصندوق للمصارف واللجان النيابية، إنّ الخطة جيدة وإيجابية وصالحة للتفاوض وأرقامها دقيقة، وإن أرقام «المركزي» ليست موضوعية وأسمع الكلام نفسه للجنة العمل النيابي. هذا في عامي 2020 و2021.
أُجهضت الخطة، وعُلّقت المفاوضات. وعندما قدّمت حكومة ميقاتي نفس الخطة تقريباً، رُفضت الخطّة داخلياً. لكن، لا مخرج لحلّ الأزمة من دون العودة إلى صندوق النقد. بمعزل عن قيمة المليارات الثلاثة المتدنية التي سيقدّمها الصندوق، إنما هو سيفتح أبواب الخارج لناحية الثقة وإعادة المستثمرين. الصندوق هو المدخل لحلّ الأزمة. هذه قناعتي. وما تغيّر اليوم، هو أن الصندوق صارت لديه مرونة في التعاطي مع لبنان، بعكس ما واجهنا أيام حكومة الرئيس دياب.
فمثلاً، عند النقاش في موضوع أصول الدولة (استعمالها لتغطية جزء من الخسائر)، كان الصندوق يرفض ذلك في عام 2020، بعكس رأيه الآن المتمثّل في ضرورة مشاركة الدولة في تحمل الخسائر، كما أن الصندوق بات يوافق على تقسيط تغطية الخسائر في المصارف. ما أوقف التفاوض مع الصندوق في الفترة الماضية، كان توزيع الخسائر. هذا التطوّر في موقف الصندوق يُعدّ خطوة إيجابية. لكن تجب الإشارة إلى أنه بحسب صندوق النقد، كلما زادت مدّة الأزمة، تصبح مدّة الحلّ أطول. سابقاً، كان يمكن الحل خلال 5 سنوات، أما اليوم فلا يمكن الوصول إلى حلّ في مدة زمنية قريبة.
مع ذلك، فإن الأرقام تسهّل المعالجة اليوم. فقبل 5 سنوات كان مجموع الودائع 126 مليار دولار، لكنه انخفض الآن إلى 87 ملياراً. وعند الحلّ، يجب الأخذ في الاعتبار مَن استفاد من الـ40 ملياراً الذائبة، ومن استفاد من تسديد قروض على سعر 1515. أيضاً، في هذه الفترة، أخذت المصارف مؤونات على سندات اليوروبوندز، إذ كانت تسجّلها في الدفاتر بقيمة 11 مليار دولار، بينما اليوم هي أكثر قليلاً من 2 مليار دولار، أي إنها غطّت الفرق، كما أن المصارف تأقلمت مع الأزمة الاقتصادية وباتت منقسمة على نفسها (في الميزانيات) بين «مصرف جيد» و«مصرف سيّئ».
دخلنا في مرحلة جديدة اليوم. وفي حال اتُّخذ القرار، نبدأ بالعلاج، وإلا سنبقى في إطار المرحلة السابقة بلا تغيير، وستكون سنة ونصف سنة أخريان من إضاعة الوقت. انطلاقة الاقتصاد تكون من القطاع المصرفي، إذ لا نهضة من دون المصارف.
■ خلال السنوات الثلاثين الماضية، كان «النظام» يعمل بالاعتماد على استقدام التدفقات من الخارج لاستخدامها في الداخل وتمويل الاستهلاك المستورد. انفجر هذا «النظام»، والآن نستقدم صندوق النقد لإحيائه مع ضوابط، فما الذي يمنع تكرار انفجاره؟
أي حكومة مقبلة، عليها أن تعرف أنّ النظام الاقتصادي والمالي السابق انتهى لعدة أسباب، منها أنّ لبنان قادر على الاستدانة ولديه تدفقات من الخارج تغطّيه. من أهم أسباب انهيار نموذج الاقتصاد الذي كان سائداً، هو العجز التوأم في المالية العامة وفي الميزان الجاري (العجز التجاري تحديداً). على أيّ حكومة قادمة الاعتراف بنهاية هذا النظام، وأي استمرار فيه يجب مجابهته. علينا تقديم صورة جديدة للخارج للمشاركة في التعافي الاقتصادي. علينا تقديم نظام اقتصادي يقوم على الزراعة والصناعة والسياحة. الاقتصادات تُبنى الآن على التنوّع حتى في دول الخليج.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|